لم تعالجه السويد فأرسلت له تركيا طائرة خاصة لإعادته .. قصة ليلى ووالدها المصاب
الزمان: ١٢ أبريل/نيسان ٢٠٢٠م
المكان: جنوب السويد وتحديداً مدينة مالمو
يسقط “أمرالله” البالغ من العمر ٤٧ عاماً طريح الفراش وسط أسرته المكونة من ٤ أولاد.. طفلان يعانيان مرض الربو وفتاتان بالغتان لم نعرف في بادئ الأمر اسم أي منهما سوى “ليلى” البنت الكبرى. وتذكروها جيداً فدورها في الحكاية لا يقل أهمية عن “أمر الله”.
اتصلت “ليلى” بالمشفى ولم تحصل على رد إيجابي. “وضعه ليس خطيراً لذلك لا نستطيع فعل شيء” أجاب المشفى.
الزمان: ٢١ أبريل ٢٠٢٠م
المكان: ما زلنا في جنوب السويد
تدهورت حالة الأب وأصبح ملازماً للفراش ولا يقوى على الحركة مع ارتفاع حرارته ووجود صعوبة في التنفس. لم تستسلم “ليلى” واتصلت مرة أخرى بالمشفى وشرحت لهم الوضع بالتفصيل وأكدت أنها خائفة على وضع والدها فأخبروها بأنهم سيرسلون طبيباً لمعاينته. وبالفعل بعد ساعة وصل الطبيب وعاينه ليخبرها بأنه لا يستطيع القيام بشيء لذلك سيرسل في طلب سيارة إسعاف لنقله إلى المشفى.
جاءت سيارة الإسعاف بالفعل ونقلوه للمستشفى وبعد إجراء الفحوص تبين أنه مصاب بفيروس كورونا (كوفيد ١٩). ولكن فوجئت “ليلى” بأنهم أوصلوا والدها للمنزل مرة أخرى بعد ساعة واحدة فقط. أرسلوه بدون أي شيء.. لا دواء أو قناع أو قفازات.. فقط رشحوا لها أن تعطيه أشهر دواء في السويد وهو “ألفيدون”.
بعضكم يتساءل الآن: “لماذا ألفيدون هو العلاج الأشهر في السويد.. هل هو مضاد حيوي أم حبوب سحرية؟”. دعوني أنهي تساؤلاتكم وأقول لكم إن سبب شهرته أنه أولاً يُصرَف دون وصفة طبية. وثانياً يُعطى لمعظم الحالات التي ترتاد مراكز الرعاية الصحية. فالثلاثي “ألفيدون وشرب الماء والرياضة” هي أشهر الأدوية التي يصفها الممرضون في السويد إذا اشتكى أحدهم من أمر ما.
دعونا نعد لـ”ليلى” و”أمر الله”. لم تعرف “ليلى” كيف ستتصرف مع والدها أو تعالجه وهي ترعى مع أختها الشابة “سميرة” أخويها الصغيرين “أمير علي” و”محمود” اللذين يعانيان من الربو. وليس لديهم أهل أو أصدقاء يساعدونهم. ولا يوجد في البيت أي أقنعة أو قفازات. ولا تعرف كيف تتصرف معه أو ماذا تطعمه. شعرت “ليلى” بأنهم يلقون بهم إلى التهلكة رأي العين ولا يمدون لهم يد العون!
الزمان: ٢٤ أبريل ٢٠٢٠م
المكان: ما زلنا في منزل “أمر الله”
كانت الكحة تفتك بصدر “أمر الله” وهو يتلوى من الحمى التي تنهشه. غضبت “ليلى” من الوضع واتصلت مرة أخرى بالإسعاف الذي سألها فور قدومه: “لماذا اتصلتِ بنا؟”، فأخبرته بوضع والدها الحرج وأنها خائفة عليه فأخبروها بكل هدوء: “إن هذا المرض هكذا! طبيعي ما هو فيه ولا نستطيع القيام بشيء. ولا فائدة من رقوده في المشفى لأنه لا يوجد له علاج هناك”.
فردّت “ليلى” فوراً: “نعم قد لا يوجد له علاج لكنه مريض وأفضل مكان لعلاجه ولسرعة إنقاذه هو المستشفى”. لكنهم لم يستجيبوا لها وانصرفوا فوراً.
لم تجد الفتاتان البالغتان في المنزل شيئاً تفعلانه فقررتا نشر الموضوع على الملأ لعلهما يجدان أي مساعدة. قامت “سميرة” بشرح وضع والدها عبر مجموعة من التويتات. وقامت “ليلى” بتصوير فيديو قصير تشرح فيه الوضع وتطالب المسؤولين بالتدخل لإنقاذ هذه الأسرة التي بلا أقارب أو معارف يساعدونها.
قالت “ليلى”: نحن وحدنا.. ساعدونا.. ونامت الأسرة حزينة.
الزمان: ٢٦ أبريل ٢٠٢٠م
المكان: مكتب وزير الصحة التركية – أنقرة
في السادسة من صباح الأحد استيقظ الجميع على تصريح لوزير الصحة التركي فخر الدين كوجا، نشره عبر صورة لطائرة إسعاف ويقف أمامها طاقم طبي وسرير طبي مغلف بالكامل مخصوص للوالد.. ليخبر أسرة “ليلى”: إنكم لستم وحدكم.. نحن قادمون إليكم.
كتب فخر الدين بالنص: “عزيزتي ليلى لقد سمعنا نداءك. طائرة الإسعاف ستحلق في تمام السادسة صباحاً متجهة نحوكم إلى السويد. تركيا كلها حزينة لأجلكم وأنتم بمفردكم في الغربة في فترة كهذه. مستشفياتنا وأطباؤنا مستعدون لاستقبال والدك. أنقل لكِ تمنيات رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وجميع الشعب التركي بالشفاء. محبتي”.
تابع الجميع بشغف ما يحدث حتى نشر وزير الصحة في الساعة الثانية عشرة ظهراً صورة الأب وهم يحملونه للطائرة ومعه أطفاله وعقّب أسفلها قائلاً: “قامت فتاة بشيء لا يمكن أن ننساه من أجل والدها المصاب بفيروس كورونا. تحركت تركيا فوراً ووصلت طائرتنا الطبية إلى مطار مالمو صباح اليوم لتنقل الأب المصاب وسيصل أنقرة بعد قليل. عزيزتي ليلى لقد قمنا بتطبيب ٢٥ ألف مواطن وبإذن الله سنعالج أيضاً أمر الله”.
لترد عليه ليلى في تويته: “جزاك الله خيراً ألف مرة يا وزيري المحترم. لا أعرف ماذا أقول. أنا سعيدة نيابة عن والدي وأسرتي. حمداً لله أنكم موجودين. أنا شاكرة لكم مساعدتكم لنا في كل الجوانب في هذا الوقت العصيب”.
من المفترض أن تهبط الطائرة الطبية والتي تحمل على متنها أسرة أمر الله جولوشكن في مطار أسنبوغا في العاصمة أنقرة.
وبعدها وعبر تويتر صرح وزير الصحة التركي أن “المواطن أمر الله على الرغم من التأكد من إصابته بفيروس كورونا لم يتم معالجته ونحن لم نقف مكتوفي الأيدي حيال هذا الأمر. أحضرناه إلى تركيا لمعالجته. نحن نعمل لأجل أبنائنا بزعامة رئيس الجمهورية”.
يا الله! ما أجمل شعور أسرة ليلى الآن وهم يشعرون بأن وطنهم لم يتركهم وحدهم في هذه الغربة البشعة! وها هي تطمئن المتابعين لحالة والدها وتخبرهم بأنهم في انتظار الطائرة على خير وحالة والدها مستقرة ولكنه منهك بشدة.
لنعد مرة أخرى للسويد التي تعد الدولة الأوروبية الوحيدة التي لم تغلق المدارس ولم تفرض حظر تجوال أو خلافه. الحكومة السويدية ترى أن الفيروس سينتشر لا محالة وأن ٧٠٪ من الشعب سيصاب به فلا داعي لإغلاق المدارس وتوقيف الأعمال. ومن يشعر أنه مريض فليجلس في بيته حتى يتعافى ولن يُخصم من راتبه شيء. كما تنشر الكثير من التوجيهات للشعب بغسل الأيدي والتزام المسافة الآمنة مع الآخرين وعدم الازدحام في أي مكان. هذا وتحذر الحكومة أصحاب المطاعم والبارات من الغلق إذا لم يلتزموا معايير الصحة والسماح بتكدس الناس بها.
يُذكر أن عدد الوفيات في السويد التي يبلغ تعدادها ١٠ ملايين نسمة؛ وصل حتى مساء الجمعة ٢٤ أبريل/نيسان إلى ٢١٥٢ مواطناً. في حين لا يُعرف بالتحديد أعداد المصابين لأن السويد لا تجري تحليلاً لكل مريض يشعر بأعراض كورونا. بل تخبره بأن يلزم بيته حتى يشفى. ولا تستقبل المستشفيات إلا الحالات الحرجة جداً والتي لا تقوى على التنفس أبداً.
بعد كل هذه المعلومات والوقائع أستطيع أن أقول موقف تركيا صفعة كبيرة للسويد وتستهدف رسالة واحدة “إن كنتم تتركون مواطنيكم بلا علاج فنحن لن نتركهم حتى لو كانوا في القطب الشمالي”. وبالطبع كالعادة استغلت تركيا الموضوع إعلامياً في حركة ذكية منها ونشرت الخبر في كل منصاتها حتى أن الصفحة الرسمية لدولة السويد اضطرت أن ترد على الخبر الذي نشرته وكالة الأناضول على تويتر بعنوان “تركيا هي الدولة الوحيدة التي ترسل طائرة إلى بلد آخر من أجل مريض واحد”، هذا ما قالته ليلى غولوشكن، وهي ابنة مواطن تركي مصاب بفيروس كورونا رفضت المستشفيات السويدية معالجته.
حيث علقت صفحة السويد: “أهلاً بكم! نتمنى لكل المصابين تمام الشفاء ولا يمكن التعليق على حادثة فردية وكلمة “رفضت” لا يمكن التعليق عليها لأنها غير مؤكدة فالجميع سواسية أمام الرعاية الطبية. القاعدة العامة في السويد أن يتم إيداع فقط الحالات التي تستوجب رعاية سريرية وفقاً لتقييم طبي.
ولا أعرف أي تقييم طبي هذا الذي يتحدثون عنه وعندنا في السويد في موقع بعض البلديات مكتوب أنه في حال شعرت بالأعراض فيمكنك الاتصال على هذا الرقم. ولكن! ولنركز مع ماذا سيقال بعد “لكن”. لكن المكالمة ستكون للاستماع لمخاوفك وقلقك فقط! فهل هذا هو التقييم الطبي الذي يقصدونه؟
منذ بداية الأزمة ومع عدم اتخاذ السويد إجراءات احترازية مثل بقية الدول ظهر على الساحة بعض الآراء التي تتبنى فكرة أن الحكومة تريد أن تتخلص من كبار السن بما أنهم أكبر فئة معرضة للخطر لأنهم يكلفون الدولة ميزانية كبيرة من حيث الرعاية الصحية.
أي أنني أعمل وأكدّ وأدفع الكثير من الضرائب طوال حياتي ثم عند أول معترك تتخلى عني الدولة! في حين أن مواطناً تركياً لم يدفع أي ضرائب في تركيا ومع ذلك لم يتخلّ عنه وطنه!
أنا كإنسانة أريد أن أشعر بأن بلدي لديها القدرة والإمكانيات لحمايتي وامتصاص مخاوفي، وأن لي قيمة عندها مهما كان وضعي في المجتمع، وهذا ما فشلت به السويد نظراً لضعف منظومتها الصحية.
أسماء الشريف
مقالات الرأي المنشورة في السويد اليوم لا تعبر عن عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع