تحويلات المغتربين حول العالم تفقد 100 مليار دولار بسبب كورونا
تحويلات المغتربين حول العالم تفقد 100 مليار دولار بسبب كورونا، و800 مليون أسرة تدفع الثمن
أبوحيدر مصدوم وقد بلغ منه الحزن مبلغاً عظيماً، فهو لأول مرة منذ 12 عاماً، لن يرسل أموالاً إلى والديه في بنغلاديش قبيل شهر رمضان. يقول أبوحيدر البالغ من العمر 47 عاماً، ويعيش في كوينز بولاية نيويورك الأمريكية، لموقع Middle East Eye البريطاني: “أنا مصدوم للغاية، والأسوأ من كل ذلك أنني لا أعرف متى سأتمكن من إرسال أموال إليهم مرة أخرى”.
يعمل أبوحيدر سائقاً بشركة “أوبر” منذ عام 2015، لكنه بات محتجزاً في بيته منذ منتصف مارس/آذار الماضي، بعدما فرضت السلطات المحلية نظام الإغلاق وأصدرت تعليماتها بالبقاء في المنازل، ضمن جهود مكافحة فيروس كورونا. ومنذ ذلك الحين، وهو يقع تحت قيود تلك الأزمة المتناقضة.
فهو من ناحية، كان بإمكانه الاستمرار في توصيل الزبائن في سيارته التويوتا وإرسال الأموال إلى والديه، لكنه من ناحية أخرى، سيكون بذلك يخاطر باحتمال إصابته بالفيروس وجلبه معه إلى شقته المكونة من غرفة واحدة والتي يتشاركها مع زوجته وطفليه.. يسأل منفعلاً: “ما الحل إذن؟”.
لا تعد المخاوف التي يعيشها أبوحيدر مخاوفاً استثنائية أو مُبالغاً فيها لهؤلاء الذين يعيشون في ذلك الجزء من المدينة الذي بات يعرف بـ”قلب بؤرة تفشي” الفيروس، وهي المنطقة التي شهدت نحو 30% من مجموع الوفيات المرتبطة بفيروس “كوفيد 19” في مدينة نيويورك.
حوالات تدعم 800 مليون أسرة
يقول اقتصاديون إن إعانة أبوحيدر البسيطة التي تبلغ 100-150 دولاراً شهرياً لأسرته في بنغلاديش تُشكّل ومثيلاتها تحويلات بقيمة 715 مليار دولار، جرى إرسالها من وإلى جميع أنحاء العالم في عام 2019، وتشمل 551 مليار دولار تدعم ما يصل إلى 800 مليون أسرة تعيش في بلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل.
وفي حين أن الجزء الأكبر من تركيز وسائل الإعلام يلتفت إلى الدول الغربية والأوروبية التي تكافح من أجل احتواء أعداد الوفيات المتزايدة والاقتصادات التي تعاني جراء عمليات الإغلاق وحظر السفر، فإن البنك الدولي يحذر من أن بلداناً واقعة على بعد آلاف الكيلومترات من الدول الغربية قد تكون من بين الدول الأكثر تضرراً من الانهيار الاقتصادي.
الانخفاض الأكثر حدة في التاريخ الحديث
يذهب تقرير نشره البنك الدولي يوم الأربعاء 22 أبريل/نيسان إلى التوقع بأن تنخفض التحويلات المالية العالمية، التي غالباً ما تستخدم كشريان حياة اقتصادي للأسر الفقيرة في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، بنحو 20% في عام 2020. وهو انخفاضٌ وصفته المنظمة العالمية بأنه “الانخفاض الأكثر حدة في التاريخ الحديث”.
ويقدر التقرير الذي حمل عنوان “أزمة فيروس (كوفيد 19) من منظور الهجرة” أن التحويلات إلى جنوب آسيا يُتوقع أن تنخفض بنسبة 22%، كما يُتوقع أن تنخفض التحويلات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 19.6%.
فيما يقول اقتصاديون في البنك الدولي إن الانخفاض الحاد يُعزى في الأساس إلى حالة الركود الاقتصادي العالمي، ونتيجة لانخفاض أسعار النفط في الخليج التي تسببت بالفعل في انهيار الأسواق.
وباعتبارها أكبر مُصدّر للتحويلات المالية في العالم، فإن ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة سيكون له تأثير مضاعف في جميع أنحاء العالم.
المهاجرون.. الأكثر تضرراً
وبالنظر إلى فقدان أكثر من 22 مليون شخص في الولايات المتحدة لوظائفهم، والارتفاع في عدد طلبات إعانة البطالة بنسبة تزيد على 2.637% في مدينة نيويورك وحدها، يحذر اقتصاديو البنك الدولي من أن الاستجابات السياسية لفيروس كورونا التي تستبعد المهاجرين من حساباتها ستزيد فقط من أمد واتساع الأزمة الاقتصادية العالمية.
ويتفق خبراء على أنه -وإن كان السائد أن الأشخاص الملونين هم الأكثر تضرراً في الولايات المتحدة بسبب الوباء- فإن الواقع يشهد بأن المهاجرين الذين يفتقر كثير منهم إلى أي رعاية صحية أو ضمان اجتماعي، هم الذين يواجهون عواقب الوباء في أبشع صورها.
والأمر هنا لا يقتصر على أن عدداً كبيراً من هؤلاء المهاجرين مضطرٌ إلى العمل في أوضاع صعبة وبأجور منخفضة وظروف عمل سيئة، لكنهم فوق ذلك غالباً ما يعيشون في مساكن ضيقة تجعل من اتباع إرشادات التباعد الجسدي رفاهية مستحيلة. علاوةً على أنهم من بين أول مَن فقدوا وظائفهم جراء تلك الأزمة.
اشتمال المهاجرين في سياسات التعامل مع الوباء
يجادل تقرير البنك الدولي بأن المهاجرين يكاد يجري استبعادهم من جميع التدابير الخاصة بالتعامل مع الوباء، وذلك على الرغم من أن هناك “دافعاً قوياً لإدراج المهاجرين في الاستراتيجيات الصحية قريبة المدى في جميع البلدان، بالنظر إلى كون حالتهم الصحية جزءاً من العوامل الخارجية المرتبطة بالحالة الصحية لمجموع السكان في مواجهة جائحة شديدة العدوى كفيروس كورونا”.
وفي ظل التوقعات بانكماش الاقتصاد العالمي بنحو 3% خلال عام 2020، وتصاعد الاحتمالات باستمرار الانكماش في عام 2021، قال ديليب رثا، المؤلف الرئيسي للتقرير ورئيس مبادرة “شراكة المعارف العالمية عن الهجرة والتنمية” (KNOMAD)، للصحفيين في إحاطة إلكترونية، إن إقامة بنية تحتية تسهل الوصول الفوري للتحويلات سيكون أهم من أي وقت مضى للبلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل التي تواجه الوباء.
وأشار رثا إلى أن “الإجراءات السريعة التي تسهل إرسال التحويلات وتلقيها يمكن أن توفر الدعم الذي لا غنى عنه لحياة المهاجرين وأسرهم. وتشمل هذه الإجراءات التعاملَ مع خدمات التحويلات على أنها ضرورة قصوى، والعمل على جعلها في متناول المهاجرين”.
ونسجاً على المنوال ذاته، جاء التصور الذي أدلى به اثنان من الأكاديميين البريطانيين الأسبوع الماضي موافقاً لرأي ديليب رثا، فقد قالا إن طريقة التعامل مع التحويلات الدولية ستحدد مدى شدة العواقب التي سيعانيها العالم النامي، ووتيرة تعافي العالم من آثار الوباء.
يقول مايكل نيوسن، وهو أحد كبار المتخصصين في شؤون هجرة العمالة وتنمية الموارد البشرية في “المنظمة الدولية للهجرة” (IOM)، إن ثمة جزءاً آخر من المشكلة يتعلق بالمهاجرين الذين لديهم أموال لإرسالها، لكن عدداً كبيراً من مكاتب التحويلات أغلقت أبوابها أمامهم، لأن تلك التحويلات لم تُدرجها السلطات فيما يعرف باسم “الخدمات الأساسية”.
وقال نيوسن لموقع MEE: “تبين لنا أن بعض العائلات التي تتلقى تحويلات مالية تعتمد على تلك التحويلات فيما لا يقل عن 50% من دخل الأسرة. ولا شك في أن خسارة حصة كهذه من دخلك له تأثير هائل على منزلك”.
وعلى الرغم من أن البلدان التي تعتمد في نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي على تلك التحويلات، مثل هايتي (34.3%) ونيبال (29.9%) ولبنان (12.5%)، قد عُرف بالفعل أنها على الأرجح ستواجه أوقاتاً صعبة خلال العام المقبل، فإن التأثير متوقعٌ أن يمتد إلى بلدان أخرى تسهم التحويلات بنسبة أصغر في ناتجها المحلي الإجمالي.
ويوضح نيوسن ذلك بالقول: “في بعض الأحيان تكون مناطق معينة في دولة ما هي التي تشهد معدلات عالية للهجرة، وفي حين أن الدولة ككل قد لا تكون معتمدة عليها، فإن تلك المجتمعات أو المناطق تكون معتمدة اعتماداً كبيراً على تلك التحويلات”.
“تذكّروا الطبقة العاملة”
في كل من كوينز وبرونكس، وهي الآن المناطق التي تشهد أعلى معدلات إصابة بالفيروس في ولاية نيويورك، أخذت طوابير تلقي المعونات الغذائية تطول وتمتد، حتى تجاوز طول بعضها عدة مجمعات سكنية.
وتقول كازي فوزيا، وهي مقدمة خدمات اجتماعية تدير جمعية Desis Rising Up and Moving الأهلية، لموقع MEE، إن الجمعية تبذل جهودها لتأجيل مواعيد سداد الإيجارات ومساعدة كبار السن والمحتاجين، فهذا وقت صعب للغاية على جميع أفراد الطبقة العاملة في المجتمع.
وتضيف فوزيا: “الأمر لا يقتصر هنا على المختلفين عرقياً فحسب، بل يمتد إلى الطبقة العاملة بأكملها. وبالنسبة إلى المسلمين، فالأمر أشد صعوبة الآن لأن رمضان يتعلق بالأسرة والجيران ويحرص الناس فيه على إرسال الأموال إلى بلدانهم الأصلية بمناسبة العيد وغيره”.
“كما أن هذا هو الوقت الذي عادةً ما يرسل فيه الناس الأموال لكل من يعرفون أنه في حاجة إليها. لا أعرف ما الذي سيحدث لهؤلاء الذين يحتاجون إلى تلك التحويلات المالية، لكن الناس هنا باتوا قلقين بالفعل بشأن احتياجاتهم الأساسية، من خبز وزبدة… وكثيرون لم يعد بوسعهم حتى التفكير في أهلهم في الوطن الآن”.