جندي حصل على ترقية وأصبح ملك السويد والنرويج
في خضم الثورة الفرنسية والحروب النابليونية، عرفت الطبقة الأرستقراطية الفرنسية أسوأ فتراتها حيث تراجع دورها بالبلاد بشكل واضح وفقدت مكانتها بالمجتمع الفرنسي بعد أن أجبر قسم كبير منها ومن مساندي الملك والكنيسة على مغادرة فرنسا أو مواجهة المقصلة. ومن جهة ثانية، أسفرت الثورة الفرنسية عن تغييرات جذرية بالمجتمع حيث ارتفع كثير من المنتمين للطبقة البورجوازية بسلم المجتمع وحصلوا على وظائف ورتب كانت في السابق حكرا على النبلاء.
لوحة تجسد شخصية نابليون بونابرت
ومع انطلاق الحملات النابليونية التي هزّت أرجاء القارة الأوروبية، تدرّج عدد كبير من الجنود في سلم الرتب العسكرية الفرنسية وبلغوا في خضم فترة وجيزة رتبة مارشال وحصدوا عديدا من الأوسمة فتحولوا بذلك لشخصيات مشهورة ومرموقة بأوروبا حينها. ومن ضمن هؤلاء، يذكر التاريخ قصة رجل عمل بجيش نابليون بونابرت وخاض غمار العديد من المعارك الحاسمة قبل أن يجد نفسه في النهاية ملكا على السويد لتستمر بذلك سلالته في حكم هذا البلد ليومنا الحاضر.
لوحة لجان بابتيست برنادوت أثناء عمله كمارشال بالجيش الفرنسي
ولد جان بابتيست برنادوت (Jean-Baptiste Bernadotte) يوم 26 يناير 1763 بمدينة بو (Pau) بالجنوب الغربي لفرنسا. وبعد فترة قضاها في التعلم والتدرب على مهنة مساعد لأحد المحامين المحلّيين، التحق جان بابتيست سنة 1780 بالجيش الفرنسي وحصل على رتبة رقيب بحلول الثورة الفرنسية بعد 9 أعوام. ومع نجاح فرقته، العاملة تحت إمرة الجنرال جوردان، في صناعة النصر ضد قوات التحالف الأوروبي بمعركة فلوريس سنة 1794، نال هذا الرجل المنحدر من مدينة بو ترقية فعيّن جنرالا بالجيش الفرنسي.
صورة لجوزيف بونابرت شقيق نابليون
وخلال السنوات التالية، واصل جان بابتيست برنادوت سلسلة إنجازاته العسكرية فحقق نصرا مذهلا بمعركة تاينينغان (Theiningen) سنة 1796 وانتقل لإيطاليا ليلتقي هنالك بنابليون بونابرت الذي أعجب به كثيرا وساهم في ترقيته ليحصل بذلك برنادوت على شرف قيادة فيلق عسكري بأكمله.
بداية من العام 1799، نجح نابليون بونابرت في بسط سيطرته على فرنسا عقب انقلابه الناجح وقد تزامن ذلك مع زواج جان بابتيست برنادوت من شقيقة زوجة جوزيف بونابرت، الشقيق الأكبر لنابليون، وبفضل هذه القرابة كسب برنادوت مكانة هامة بفرنسا. ومع إعلان قيام الإمبراطورية سنة 1804، كان جان بابتيست برنادوت ضمن قائمة المقربين من نابليون بونابرت الذي لم يتردد بدوره في تعيينه كواحد من الثمانية عشر مارشالا بالإمبراطورية الفرنسية ومنحه منصب أمير منطقة بونتيكورفو (Pontecorvo) الإيطالية بفضل دوره في صناعة انتصار أوسترليتز (Austerlitz) سنة 1805.
صورة للأمير الدنماركي كارل أغسطس
أثناء معركة لوباك سنة 1806، قام جان بابتيست بحركة جعلته محبوبا بالسويد. فعقب المعركة، تمكن المارشال الفرنسي من أسر فرقة عسكرية سويدية صغيرة وبدل إعدامهم رميا بالرصاص أو اقتيادهم لفرنسا كأسرى حرب فضّل برنادوت إطلاق سراحهم وسمح لهم بالعودة لمنازلهم.
في خضم هذه الأحداث، شهدت أوروبا اندلاع نزاع قصير بين روسيا والسويد حول مسألة فنلندا انتهى بانتصار روسيا وخروج فنلندا من تحت نفوذ السويد لتنتقل نحو النفوذ الروسي عقب ظهور دوقية فنلندا الكبرى سنة 1809.
صورة لملك السويد غوستاف أدولف الرابع
بسبب هذه الهزيمة المذلّة، عزل ملك السويد غوستاف أدولف الرابع (Gustav IV Adolf) من قبل عمّه كارل الثالث عشر (Charles XIII) الذي عانى من الشيخوخة وتقدمه في السن وعدم امتلاكه لوريث للعرش بسبب وفاة ابنيه في سن مبكر.
وأمام هذا الوضع، أخذ رايكستاغ الطبقات (Riksdag of the Estates)، أي البرلمان السويدي، على عاتقه مهمة ملئ شغور منصب وريث العرش فعيّنوا الأمير الدنماركي كارل أغسطس (Charles August) وريثا للعرش وأميرا للسويد إلا أن الأخير فارق الحياة سنة 1810 بعد أقل من عام على تعيينه عقب إصابته بسكتة دماغية.
لوحة لجان بابتيست برنادوت أثناء عمله كمارشال بالجيش الفرنسي
وفي الأثناء، شهدت أوروبا حينها قيام نابليون بتعيين العديد من أقاربه على عروش بعض المقاطعات والدول أملا في توحيد القارة وجعلها قابعة تحت نفوذه. وأمام شغور منصب وريث العرش مجددا، راسل البرلمان السويدي نابليون بونابرت وسمحوا له بتعيين أمير للبلاد فوقع اختيار الإمبراطور الفرنسي حينها على مارشاله جان بابتيست برنادوت الذي لقي ترحيبا من قبل السويديين الذين تذكروا قيام هذا العسكري الفرنسي المنحدر من مدينة بو بتحرير عدد من أبنائهم بلوباك سنة 1806.
صورة لملك السويد كارل الثالث عشر
لوحة لجان بابتيست برنادوت الذي حصل على عرش السويد وحمل اسم كارل الرابع عشر يوهان
إلى ذلك، حصل جان بابتيست برنادوت على منصب وريث عرش السويد سنة 1810 وتولى رسميا منصب الملك سنة 1818 عقب وفاة كارل الثالث عشر وحصل على اسم كارل الرابع عشر يوهان (Charles XIV Jean) فحكم كل من السويد والنرويج، التي كانت متحدة مع السويد حينها، 26 سنة عرفت خلالها البلاد فترة سلم غير مسبوق وفارق الحياة عن عمر يناهز 81 عاما عقب تأسيسه لعائلة برنادوت التي تتربع ليومنا الحاضر على عرش السويد.Volume 0%
alarabiya.net