قصة نجاح رشا داوود
رشا داوود تحقق نجاحات بالعمل الاستشاري التطوعي للمهاجرين في السويد
كتب عمر سويدان
تعتبررشا داوود موسوعة استشارية بشرية خدمت المهاجرين في السويد طوعاً، بكل حب وتواضع وتفاني على مدار السنوات الخمسة الأخيرة، من واقع تجربتها المهنية الطويلة والاستثنائية مع أهم المؤسسات الرسمية، كما بادرت إلى تصدر أكثر من حراك احتجاجي للوقوف في وجه قوانين الهجرة المتشددة ودفاعاً عن حقوق طالبي اللجوء الإنسانية. فكانت بهذا سبباً، في لم شمل عائلات كثيرة تفرقت وقبول معاملات عديدة تعرقلت وتغيير قرارات إقامة مؤقتة جمة إلى دائمة وغيرها من عشرات الإجراءات ذات الأبعاد الاجتماعية والقانونية والمهنية والتجارية والدراسية والإنسانية، من خلال نشاطها التطوعي على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي ما انفك يلقى من روادها خالص عبارات المديح والشكر والثناء.
يمكن اعتبار رشا داوود أيضاً، سيرة إنسانية محفزة لنظرائها من الوافدين على أوروبا، تستحق الاطلاع على كافة جوانبها، سواء الاجتماعي في تربية 4 أبناء ناجحين داخل مجتمع أجنبي وصيتها الذائع بالخير بين جميع من عرفوها، أو المهني الدسم عريض الخبرات ومتعدد المجالات، أو العلمي والثقافي المتخم بتجارب تنمية القدرات والمؤهلات عبر منافذ التدريب المهني والأكاديمي.
تتحدث رشا عن أهم المشاكل والتحديات التي واجهتها لدى قدومها إلى السويد، فتقول: “ولدت في بلدة مرجعيون بمحافظة النبطية جنوب لبنان، ثم لجأت إلى السويد مع عائلتي عام 1990 وعمري لم يتجاوز 16 عاماً فقط، بسبب الحرب الأهلية. حيث تنقلنا في البداية للسكن بين مدن عدة شمال البلاد. ثم بعد عامين تقريباً من الانتظار، قررت مصلحة الهجرة منحنا تصاريح الإقامة الدائمة.
كانت أوضاع البلاد صعبة ومختلفة جداً عما هي عليه اليوم. إذ لم تتوفر لدينا آنذاك الهواتف المحمولة أو خدمات الإنترنت، بكل ما ترتب عليها لاحقاً، مثل: المواقع الإخبارية باللغة العربية ووسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني وباقات القنوات التليفزيونية وغيرها، لذا لم نستطع الحصول على فكرة أو معلومات كافية عن السويد. كما لم نتمكن من التواصل مع أهلنا في لبنان والاطمئنان على أحوالهم إلا من خلال الرسائل البريدية الورقية، ما استلزم منا انتظار أشهر طويلة لتلقي الردود بعد كل مراسلة.
أما المهاجرون العرب فكانت أعدادهم قليلة جداً نسبياً، إضافة إلى أننا لم نمتلك أية أسواق لبيع الأطعمة والملابس الشرقية، لهذا اضطررنا طويلاً إلى إعداد الخبز العربي في بيوتنا مع الاعتماد على ما تقدمه الأسواق السويدية من منتجات غذائية محدودة، التي لم تزد معروضاتها من أنواع الفواكه الطازجة، على سبيل المثال، عن الموز والتفاح والبرتقال والفراولة.
بعد حصول الشخص على حق الإقامة، كان يجري نقله إلى مسكنه المستقل، الذي يختارونه له بأنفسهم. فلا يدري غالباً شكله ومكانه حتى يصل إليه. كما لم يكن يحظى بأية فترات ترسيخ ويتمحور نشاطه في تعلم اللغة السويدية مدة 4 ساعات فقط يومياً بمدرسة “إس إف إي”.
سنة 1993 أتممت المرحلة الثانوية، ثم درست الهندسة الكيميائية في الجامعة لمدة ثلاث سنوات”.
ثم تتطرق إلى أهم المحطات الدراسية والمهنية التي مرت بها في المهجر وأهلتها لاحقاً لتقديم الاستشارات إلى الأخرين، قائلة: “سنة 1996، طلبتني بلدية يونشوبينچ للعمل معها كمترجمة من العربية إلى سويدية والعكس، لإنها كانت تواجه صعوبة في العثور على مترجمين يجمعون بين كلا اللغتين إزاء نقص أعداد المهاجرين العرب، مثلما أشرت سابقاً، لا سيما أن اللاجئين العراقيين لم ينفكوا يفدون حينها بكثرة إلى السويد. لذا تركت الجامعة وبدأت ممارسة العمل مباشرة.
لقد حققت ضمن هذا المجال نجاحاً مهنياً مهماً، جراء إجادتي عدة لغات أجنبية أخرى، منها: الإنجليزية، الألمانية، الفرنسية وغيرها، كما نلت خبرة في التعامل مع عديد الجهات المختلفة، مثل: مؤسسات الرعاية الصحية، مؤسسات الرعاية الاجتماعية، مكتب العمل، مكتب الشؤون الاجتماعية، الشرطة، المحاكم وشركات المحاماة. الأمر الذي شجعني على استكمال دراسة الترجمة والخضوع إلى مجموعة دورات تدريبية تختص في شؤون الهجرة وقوانين اللجوء والعمل والقانون المدني. ثم التحقت بالجامعة مجدداً لدراسة العلوم السياسية، إلا أنني لم أجد وقتاً كافياً لاستكمالها في غمرة انشغالي بين تربية أربع أبناء والعمل بدوام كامل.
بعد 6 سنوات من العمل كمترجمة، انتقلت إلى مدينة هالمستاد لأعمل كمسؤولة ترسيخ واندماج لدى بلديتها مدة عشر سنوات. حيث كانت البلديات سابقاً هي المسؤولة عن مهمة تدريب المهاجرين.
في العام 2010، تم إسناد مهمة الترسيخ والاندماج بكاملها إلى مكتب العمل، فانتقلت معها بدوري للعمل مع هذا الأخير، فترة عامين، كموظفة مسؤولة عن موقعه الإلكتروني الرسمي.
ثم اتجهت لأعمل مع مصلحة الهجرة في مقاطعة هالاند فترة ثلاث سنوات. جاءني بعدها عرض عمل أفضل كمسؤولة إدارية ومرشدة نشاط دراسي ومهني في إحدى المعاهد المهنية لتدريب المسجلين على أنشطة الترسيخ، قضيت به أربع سنوات. عند انتهاء عقد عملي، تمت توليتي ذات المهام الوظيفية في مركز تعليم الكبار التابع إلى بلدية فاربري”.
أما عن أسباب تقديمها استشارات مجانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقول: “عندما كنت لا أزال مهاجرة جديدة بالسويد أواجه جميع الصعوبات التي ذكرتها في البداية، تمنيت كثيراً لو وجدت شخصاً يتحدث لغتي ويساعدني على فهم ما يدور حولي، بدلاً من اضطراري إلى التعلم عبر دفع التكلفة الباهظة للأخطاء التي أرتكبها من خلال تجربتي الشخصية. صحيح أن أوضاع المهاجرين اليوم أسهل بكثير مما كانت عليه في زماننا، إلا أنهم يبقون محتاجين دائماً إلى المساعدة، إزاء نقص مصادر المعلومات وعدم الفهم الجيد للقوانين وتداول المعلومات الخاطئة جهلاً، دون وجود من يصححها لهم.
لو كنت أطلب الربح لاخترت العمل في مكتب استشارات براتب كبير. لكن هدفي هو تقديم الفائدة إلى المهاجرين ومحدودي الدخل وتصحيح ذاك الكم الرهيب من الترجمات المغلوطة للقوانين والمعلومات الخاطئة التي يتم تداولها يومياً على صفحات التواصل الاجتماعي. لذا لم أخذ مقابلاً مادياً للاستشارات، سواء على صحفتي أو على غيرها من الصفحات التي أساعد فيها”.
وبذكر الهجمات التي شنها عليها بعض المشككين في دوافع نشاطها التطوعي، تستطرد: “إن كسب ثقة الناس أمر بالغ الصعوبة. لقد قوبلت في البداية بكثير من التشكيك في مصداقيتي، لأن طبيعة البشر تجعلهم راغبين بسماع ما يحبون سماعه فقط، لا الحقيقة التي تكون قاسية أحياناً.
فمثلاً، أذكر أنني هوجمت بشدة سنة 2015 إثر إطلاقي دعوة إلى حراك احتجاجي أمام مقر الـ”ريكسداغ”، للحيلولة دون إصدار قانون الإقامة المؤقتة. حيث قامت كثير من صفحات المهاجرين على مواقع التواصل الاجتماعي بتكذيبي والتشكيك في سلامة نواياي واتهامي بالتشاؤم وترويج الإشاعات كرهاً في الوافدين الجدد وسعياً مني لحثهم على مغادرة البلاد. فكنت أجيبهم أن الحقيقة ستبقى حقيقة حتى لو كرهتموها وستثبت الأيام القادمة صحة كلامي، لكن بعد فوات الأوان. مع الأسف الشديد، لقد تضرر كثيرون جرَّاء الانقياد خلف تلك الأخبار الكاذبة آنذاك، فيما كان بإمكاننا إحداث فرق كبير لو أنهم استمعوا لنصحي وبدأوا الاحتجاجات قبل ستة أشهر فقط من صدور هذا القرار المؤسف.
لذا عندما بدأ المعتصمون الاحتجاجات لاحقاً قبل القرار، بشهر يونيو/حزيران سنة 2016، لم يترددوا في اختياري واجهة لهم ومتحدثة رسمية باسمهم أمام البرلمانيين والمحامين، سواء خلال اعتصامنا الأول في شهر تموز/يوليو، أمام مبنى الـ”ريكسداغ” بمدينة ستوكهولم، الذي استمر 15 يوماً، أو اعتصامنا الثاني في شهر أيلول/سبتمبر، المقام بنفس المكان واستمر 9 أيام. كما أنني استخرجت أذون الاعتصامات من الشرطة باسمي.
وعلى الرغم من كل ذلك، لم يمتنع بعض المهاجرين عن التشكيك في مساعدتي لهم تطوعاً واتهامي بقبض مبالغ مالية مقابل المشاركة وحشد الناس، بل إن بينهم من تمادوا إلى حد الادعاء أنني أنفذ مخططاً لحزب ما أو أسعى إلى الترشح لمنصب سياسي”.
تعدد رشا طبيعة الاستشارات التي تقدمها إلى متابعيها، قائلة: “أقدم الاستشارات المتعلقة بالمؤسسات الحكومية، مثل: مصلحة الهجرة وكل ما يخصها من اللجوء والجنسية ولم الشمل، مكتب الشؤون الاجتماعية “سوسيال”، مكتب العمل، مصلحة الضرائب، التأمين الاجتماعي، الدراسة، التوجيه المهني. فضلاً عن مختلف معاملات الدوائر الرسمية، مثل: تقديم طلبات الاعتراض، تعبئة الاستمارات والترجمة، الاستشارات التجارية، تسجيل الشركات التجارية، المساعدة في الحصول على الموافقات وغيرها من الاستشارات الاجتماعية”.
كما تصف تفاعل الناس مع ما تقدمه من معلومات سواء لدى مقابلتهم شخصياً أو عبر تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي، فتقول: “إنهم يقابلونني دائماً بكل احترام وامتنان. أما تعليقاتهم عبر فيسبوك فهي إيجابية على طول الخط وتظهر مقدار ثقتهم فيما أقدمه من معلومة. كما يشهد جميع الأعضاء، أنني لم أعطهم أية معلومات خاطئة أو ضارة طيلة عملي ضمن هذا المجال، حتى أن المعلومات التي أنشرها باتت تلقى رواجاً كبيراً بين كل من عرفني على مواقع التواصل الاجتماعي في كافة أرجاء السويد، كوني لا أذكرها إلا استناداً لمصادر موثوقة.
لكن أكثر ما جعل الناس يثقون بعملي ويقبلون عليه، هو كم النجاح الذي طال معاملاتهم استناداً إلى استشاراتي، مثل: قبول الطلبات المسَلَّمة، سرعة الاستجابة لطلبات لم الشمل، تغيير الإقامات المؤقتة إلى دائمة وغيرها.
إن دافعي الأكبر للاستمرار فيما أفعله، هو لمس مدى حب الناس لي ومشاعرهم الصادقة بالتقدير نحوي، لأن قيمتي كبشر تتجلى واضحة أمامي كلما أظهروا حجم سعادتهم بالتغييرات الإيجابية التي حلت على حياتهم من وراء عملي”.
ولدى سؤالها عن الخلل في المؤسسات السويدية الذي يدفع المهاجر للبحث عن الاستشارة من خارجها، أجابت: “الخلل أن الموظف لا يتورع عن إجابة جميع الاستفسارات التي ترده، حتى لو كانت بعيدة عن مجال مسماه الوظيفي. إن أكثر هؤلاء الموظفين الحكوميين لا يتدربون إلا في حدود النطاق الضيق لأعمالهم وليسوا مستعدين أصلاً لتعلم أو معرفة أي شيء جديد حول قوانين العمل الأخرى في نفس المجال. كما أن معظم الموظفين الحكوميين لم يدرسوا أعمالهم بشكل أكاديمي أو مختص، لكون شرط التعيين الوحيد في المؤسسات الحكومية، الحصول على 180 نقطة جامعية، أو أي خبرة مهنية تعادل دراسة عامين جامعيين، بصرف النظر عن مجال الخبرة المهنية أو التخصص الجامعي. فلا تستغرب إذا اكتشفت مثلاً، أن الموظف الماثل أمامك في الأصل طبيب أسنان، أو عامل نظافة سابق. لقد كنت أرى موظفي الاستقبال في مصلحة الهجرة، الذي يفترض بهم معرفة كل شيء، يقفون عاجزين مراراً عن إجابة الأسئلة الموجهة إليهم، أو يرتكبون أخطاء جسيمة توقع الظلم على طالبي اللجوء وتضر بمعاملاتهم، ما كان أحد دوافعي لترك العمل في المصلحة قبل سنوات”.
في الختام، تحرص من واقع خبرتها الطويلة، على توجيه بعض النصائح إلى متابعيها، قائلة: “تركيزي منصب دائماً على توجيه نصيحتين رئيسيتين:
الأولى: أن لا يعتمدوا على الترجمات أبداً عند مطالعة القوانين السويدية، لأن المعنى لا يكون دقيقاً إلا بلغته الأم فقط، فتغيير كلمة واحدة عبر محاولة ترجمتها من لغة إلى أخرى، يمكن أن يؤدى لاختلاف المقصد من وراء نص القانون كلياً.
الثانية: أن يأخذوا معلوماتهم من مصادرها الرسمية، لا عن طريق منشورات صفحات التواصل الاجتماعي، لأن تداولها لا ينفك يغير فيها بصورة مستمرة، كما أن أغلب أصحاب هذه المعلومات ليسوا من أهل الاختصاص ولا يهمهم إلا تحقيق الربح المادي أو الشهرة.
حتى أنا شخصياً، لم أكن لأستطيع مساعدة الناس وكسب ثقهم بهذه الكيفية، لولا تنوع خبراتي المهنية في عديد المجالات، فضلاً عن جميع المعلومات الصحيحة التي قدمتها إليهم على مدىً طويل.
ينبغي على الشخص امتلاك خبرة مهنية عالية بالسويد، لا تقل عن 15 عاماً، قبل تفكيره أصلاً في خوض مجال الاستشارات وإلا فإن النتائج ستأتي عكسية تماماً وسيضر أناساً كثيرين”.
السلام عليكم
في البداية اود ان اقول الف شكر لك ومثلك تنحني القامات احتراما وتقديرا . انت من خلق ليمثل مجتمع او جالية .
واعتبر انه شرف وحظ كبير لي ولكل من استطاع التواصل معك .
اتمنى من الله ان تكوني في افضل المراتب.
وفقك الله واكثر من امثالك.
السلام عليكم
في البداية اود ان اقول الف شكر لك ولمثلك تنحني القامات احتراما وتقديرا . انت من خلق ليمثل مجتمع او جالية .
واعتبر انه شرف وحظ كبير لي ولكل من استطاع التواصل معك .
اتمنى من الله ان تكوني في افضل المراتب.
وفقك الله واكثر من امثالك.