آخر التطورات عن فيروس كورونا

جثث في الثلاجات إلى أن تُستأنف الرحلات

دفن موتى المسلمين يواجه مشاكل بأوروبا في ظل كورونا

كانت مباركة بودة تفضّل أن تُدفن في بلدتها بالمغرب، ولكن نظراً إلى أن بلادها تفرض إغلاقاً صارماً بسبب فيروس كورونا، وُريت الثرى في مقبرة مسلمين جديدة في بلدة زاودلارن الصغيرة شمال شرق هولندا.

وقال حفيدها حسن بودة لصحيفة The Washington Post الأمريكية: “كان خياراً ثانياً جيداً”، وذلك بعد أن أنزل كفن جدته في مقبرة رياض الجنة في الأسبوع الماضي.

بعد انتهاء جنازة مباركة بودة وصلت مجموعة أخرى من المشيعين ثم تلتها أخرى.
كان كثيرون يرتدون أقنعة واقية وقفازات، والتزموا بإرشادات التباعد الاجتماعي التي أعلنتها الحكومة بأقصى ما يمكنهم.
بينما كانوا يستخدمون المجارف ذات الأيدي الخشبية ليهيلوا التراب على الأكفان.

وبينما أدت التدابير المتعبة لوقف انتشار الفيروس إلى تأريض الرحلات الجوية وإغلاق الحدود حول العالم ليس الأحياء وحدهم من قُلصت رحلاتهم.
بالنسبة لكثير من المسلمين في أوروبا، حتى إذا لم يتسبب فيروس كورونا في إنهاء حياتهم، يمكن أن يؤثر على وفاتهم، لأن أجسادهم لا يمكن نقلها إلى أوطانهم كي تُدفن هناك.

إغلاق الحدود في وجه الأحياء والأموات بسبب كورونا

يمثل هذا إشكالية، ولا سيما لأبناء الجيل الأول من المهاجرين الذين وصلوا أوروبا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بحثاً عن العمل، والذين يفضلون غالباً أن يُدفنوا حيث وُلدوا. ويبدو هذا مستحيلاً في الوقت الحالي بالنسبة للمسلمين من أبناء المغرب، نظراً إلى أن بلدهم الأم أغلق حدوده في وجه الأحياء والأموات على السواء.

يقول الإمام حامد بلقاسمي، الذي أمّ المصلين في جنازة مباركة: “صار هذا مشكلة بسبب كورونا. كثير من المسلمين يجدون صعوبة في قبول دفنهم في هولندا”. لكنه أضاف أن جمعية الأئمة بهولندا أصدرت مشورة تقول إنه من المقبول للمسلمين أن يُدفنوا في البلاد.

جثث في الثلاجات إلى أن تستأنف الرحلات

تشعر منشأة Schiphol Mortuarium، وهو مستودع جثث متخصص في نقل الجثث من هولندا إلى أوطانها، بالتأثير ذاته. يتولى مستودع الجثث تيسير نقل حوالي 2000 جثة سنوياً، بما في ذلك 500 إلى 600 جثة إلى المغرب، حسبما قال هانز هيكوب، مدير المنظمة التي تدير مستودع الجثث.

والآن، تنتظر الجثث في ثلاجات الموتى إلى أن تُستأنف الرحلات. وقال هيكوب إنها من الممكن أن تبقى في الثلاجات لأسابيع أو أشهر إذا كانت محفوظة جيداً. وفي ظل تأريض أغلب الرحلات الجوية للمسافرين.
يمكن أن تُرسل بعض الأكفان على متن طائرات بضائع إلى بلاد مثل تركيا، ولكن ليس إلى المغرب.

حتى أن بعض العائلات عادت لالتقاط جثة من مستودع الجثث خوفاً من أنها قد تنتظر لمدة طويلة في المطار الواقع في ضواحي أمستردام.

غير أن ذلك الخيار يثير شاغلاً آخر لدى المسلمين في بلاد مثل هولندا وفرنسا: العادات الإسلامية تأمر بدفن الموتى في مقبرة يرقد فيها الجسد إلى الأبد. لكن التخصيص الأبدي للمقابر في البلدين يكلف أموالاً طائلة ويصعب للغاية الحصول عليه. في فرنسا،  يمتد امتياز المقبرة لـ15 عاماً، ويجب أن يجدد بعد ذلك أو تُزال الجثث. قد يثير هذا إشكاليات للمسلمين، على الصعيد المالي والثقافي والديني.

يقول محمد الموسوي، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: “هذا لا يتفق مع العادات الإسلامية… في عادات المسلمين، عندما تدفن شخصاً في مكان، يكون هذا للأبد”.

أراضٍ قليلة مخصصة لدفن المسلمين

imrs
تم دفن مباركة في مقبرة زاودلارن التي افتتحت هناك هذا الشهر/ WP

وفي فرنسا التي تضم واحدة من أكبر الجاليات المسلمة في أوروبا بعدد يصل إلى 5 ملايين فرنسي، تعرضت العائلات لضغوط شديدة لدفن موتاهم الذين تضاعفت أعدادهم خلال أزمة فيروس كورونا.
ثمة عدد قليل من الأراضي المخصصة للمسلمين في المقابر الفرنسية، نظراً إلى أن أغلب الموتى يُنقلون إلى أوطانهم ليُدفنوا فيها، وتكون في الغالب الجزائر والمغرب.

تقول مشورة جمعية الأئمة بهولندا حول الدفن إن “العادة تجري على أن يكون قبراً إلى الأبد”، ولكن إذا لم يكن ذلك ممكناً، ينبغي للأقارب أن يبحثوا عن المقبرة صاحبة أطول فترة ممكنة.

لدى كثير من المقابر الهولندية مساحة صغيرة مخصصة للمسلمين، ولكن لا يوجد في هولندا إلا مقبرتان للمسلمين تقدم ضماناً بأن تكون مرقداً أبدياً للموتى.

كان ذلك جزءاً من السبب الذي دفع عائلة مباركة بودة لقيادة السيارة لـ230 كيلومتراً من مدينة لايدن إلى بلدة زاودلارن ليدفنوها في المقبرة التي افتتحت هناك هذا الشهر، والتي يجاور ساحة انتظار السيارات الخاصة بها مقهى يبيع الماريغوانا.

توفيت مباركة، التي انتقلت إلى هولندا مطلع سبعينيات القرن الماضي وعملت في وظائف عديدة بينما كانت تربي أطفالها الثلاثة، في بداية شهر رمضان المبارك عن عمر يناهز 83 عاماً؛ لإصابتها بالأنيميا.

تستقبل المقبرة الجديدة، التي توازي فيها المقابر بعضها بعضاً، وجه القبلة في مكة. وقد هدأت من الشواغل التي تعتري عائلتها بشأن دفنها. قال حفيدها حسن بودة: “كان الناس متوترين بشأن المكان الذي سوف ندفنها فيه. والآن صاروا مرتاحين للأمر. أعتقد أن هذا جيد للجالية المغربية والمسلمة في هولندا”.عربي بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى